قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح القواعد الأربعة
24721 مشاهدة
جهاد علماء الأمة في حفظ العقيدة والذب عنها

وتعرفون أن علماء هذه الملة، علماء هذه الأمة قد خدموا هذا العلم، وأولوه عناية كبيرة، فالأولون منهم جمعوا في مؤلفاتهم جميع العلوم، كأهل الحديث، أهل الصحيحين، وأهل السنن جمعوا جميع العلوم في مؤلفاتهم حسب ما وصل إليهم من العلم. ثم جاء بعدهم، أو في زمنهم، من أفرد كل قسم من أقسام العلوم على حدة: أفردوا علم العقيدة، وعلم التوحيد في كتب مفردة، وأفردوا أيضا علم الأحكام والحلال والحرام، وأفردوا علم الآداب والأخلاق، كما أفردوا أيضا العلوم الآلية: كعلم النحو والصرف وما أشبهها.
وكل أهل زمان يهتمون بما يرونه مهما في زمانهم. لما كانت القرون الثلاثة، في القرن الثاني والثالث، كان البدع التي حدثت تتعلق بعلم العقائد، أي: بتوحيد الأسماء والصفات عند ذلك اهتموا بما يردوا على أولئك المبتدعة من الصفاتية، الذين أنكروا أسماء الله تعالى، وأنكروا دلالة الأسماء على الصفات، وأنكروا أيضا حقيقة الإيمان، وأن الأعمال ليست من مسمى الإيمان، وأنكروا أيضا عموم قدرة الله تعالى على كل شيء. فكانت مؤلفات ذلك الوقت مليئة بالسنة التي أفردوها في علم التوحيد، تتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، وبالإيمان، فسموا مؤلفاتهم بالأسماء والصفات، أو الاعتقاد، أو الإيمان، أو السنة، أو الشريعة، أو الإبانة، أو التوحيد- بهذه الأسماء. وكتبهم والحمد لله تيسرت في هذه الأزمنة، وطبعت وانتشرت وأصبحت في متناول الأيدي، وبها عرف أنهم عالجوا ما اشتهر في زمانهم من تلك البدع، وردوا على أولئك المبتدعة، وأكثروا من الرد عليهم؛ ليبطلوا بذلك شبهاتهم. ولا شك أيضا أن هناك كثير من المبتدعة جمعوا ما يقدرون عليه مما يكون مبررا لأقوالهم، ومما يكون ناصرا لمشايخهم. فحشدوا من الأقوال في مؤلفات لهم، ولكنَّ مؤلفاتهم لا تفيد شيئا. ولهذا قال فيها ابن القيم رحمه الله:
فانظر تـرَ، لكن نـرى لك تـركها
حـذرا عليك مصـائد الشيـطانِ
إنما تروج على السذج، وعلى ضعفاء البصائر، ومع ذلك فإنهم يعتمدون فيها على أمور عقلية، ليست قريبة من الشرع. فعرفنا بذلك أن أهل ذلك الزمان أَوْلَوْا هذا التوحيد عناية كبيرة، الذي هو توحيد الأسماء والصفات، ولم يكن حدث في أهلهم شرك في الإلهية إلا نادرا، لكن جاء بعدهم من غلا في الصالحين، وغلا في المقبورين، وعبدوا غير الله، وصرفوا حق الله تعالى من العبادة لأولئك الأموات، وعظموا الأموات تعظيما لا يصلح إلا لله تعالى، فكانوا بذلك مشركين. لما عظموا المشاهد -يعني القبور- بنوا عليها، وزخرفوها، وجعلوا عليها قببا، وسموها مشاهد، ثم عكفوا عندها، وذبحوا لها، وتمسحوا بها، وطافوا بها، ودعوا أربابها، ورفعوهم وجعلوا لهم التصرف، وجعلوا لهم حق الأخذ والإعطاء والمنع، والعلم بالغيبيات، وما أشبه ذلك؛ فوقعوا في الشرك الذي كان عليه مشركو العرب، والمشركون الأولون من الأمم.